القائمة الرئيسية

الصفحات

البَرَاءُ بنُ مَالكٍ الأنصَاريُّ

     




  • البراء بن مالك الأنصاري

  1.  الميلاد : يثرب .
  2. الوفاة : سنة 641 /تستر/ .
  3. الأخوة و الأخوات : أنس بن مالك-و أبو عمير بن أبي طلحة- و عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري.
  4. الأم : أم سليم بنت ملحان.  

               لا تولوا البراء جيشا من جيوش المسلمين مخافة أن يهلك بإقدامه /عمر بن الخطاب/

كان اشعث اغبر ضئيل الجسم معروق العظم تقتحمه عين رائيه ثم تزورُّ عنه ازوراراً 

ولكنه مع ذلك ، قتل مائةً من المشركين مبارزةً وحده، عدا عن الذين قتلهم في غِمار المعارك مع المحاربين .

إنّه الكميُّ الباسل المقدامُ الذي كتب الفاروق بشأنه إلى عمّاله في الآفاقِ: ألا يولُّوه جيشاً من جيوش المسلمين ،خوفاً من أن يُهلكهم بإقدامه.

إنّه البراء بن مالك الأنصاريُّ، أخو أنسِ بنِ مالكٍ الأنصاريِّ خادم رسولِ اللَّه صلَّى اللَّهُ عليه وسلم .

ولو رحتُ أستقْضي لكَ أخبارَ بطولاتِ البراء بنِ مالكٍ، لطال الكلامُ وضاقَ المقامُ، فأضع بينَ أيديكمْ قصةً واحدةً من قصصِ بطولاتِهِ، وهي تنبيك عمّا عداها.

تبدأُ هذهِ القصة منذ السَّاعاتِ الأولى لوفاةِ النَّبيِّ الكريم صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، حيثُ طفقت قبائلُ العربِ تخرجُ من دينِ اللَّه أفواجاً ،كما دخلتْ فيه أفواجاً، حتّى لم يبقَ في الإسلامِ إلا أهلُ مكةَ والمدينةَ والطَّائفِ، وجماعاتٌ متفرقاتٌ ممَّن ثبتهم اللَّه على الإيمان.

وكانَ أقوى المرتدِّينَ بأساً وأكثرهم عدداً ؛بنو(حنيفة) أصحابُ مسيلمةَ الكذابِ.

فقد اجتمعَ لمسيلمةَ من قومهِ وحلفائِهم أربعون ألفاً من أشدَّاء المحاربين.

وكانَ أكثرَ هؤلاءِ قدِ اتَّبعوهُ عصبيَّةً لهُ، لا إيماناً بهِ، فقد كانَ بعضُهم يقول: أشهدُ أنّ مسيلمةَ كذّابٌ، ومحمّداً صادقاً ...

لكنَّ كذابُ ربيعةَ أحبُّ إلينا من صادقِ مضرَ.

هزمَ مسيلمةُ أوَّلَ جيشٍ خرجَ إليهِ من جيوشِ المسلمين بقيادةِ عكرمةَ بِنْ أبي جهلٍ وردَّهُ على أعقابِهِ.

فأرسلَ لهُ الصِّدِّيقُ جيشاً ثانياً بقيادةِ خالدِ بنِ الوليدِ، حشدَ فيه وجوهَ الصَّحابةِ من الأنصارِ والمهاجرين، وكان في طليعةِ هؤلاءِ وهؤلاءِ البراءُ بنُ مالكٍ الأنصاريُّ .

التقى الجيشانِ على أرضِ - اليمامةِ-  في  -نجدٍ-فما هوَ إلا قليلٌ حتَّى رجحتْ كفَّةُ مسيلمةَ وأصحابهِ، وزلزلتِ أقدامُ جنودِ المسلمينَ ، وطفقوا يتراجعون عنْ مواقفِهم، حتى اقتحمَ أصحابُ مسيلمةَ فُسطاط خالدِ بنِ الوليدِ، وكادوا يقتلونَ زوجته لولا أن أجارَها واحدٌ منهم.

عندَ ذلكَ شعرَ المسلمونَ بالخطرِ الدَّاهمِ، وأدركوا إنْ يهزموا فلن تقومَ للإسلامِ قائمةٌ بعدَ اليومِ.

وهبَّ خالدٌ إلى جيشهِ، فأعادَ تنظيمهُ.

ودارتْ بينَ الفريقين ِ رحىٰ معركةِ ضروسٍ - شديدةٍ - لم تعرفْ حروبُ المسلمينَ لها نظيراً من قَبلُ، وثبتَ المسلمون في ساحاتِ الوغى ثباتَ الجبالِ ،

    فهذا ثابتُ بنُ قيسٍ يتحنٌَطُ ويحفرُ لنفسِهِ حفرةً في الأرضِ ،فينزلُ إلى نصفِ ساقيْهِ، وغيرهُ من الصحبِ الكرامِ .

لكنَّ بطولاتِ هؤلاءِ جميعاً تتضاءلُ أمامَ بطولةِ البراءِ بنِ مالكٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ.

ذلكَ أنَّ خالداً حينَ رأى وطيسَ المعركةِ يَحمى ويشتدُّ ، التفتَ إلى البراءِ وقالَ: إليهمْ يا فتى الأنصار ِ ....فالتفتَ البراءُ إلى قومِهِ وقالَ: يا معشرَ الأنصار ِ لا يفكِّرنَّ أحدٌ منكم بالرُّجوعِ إلى المدينةِ، فلا مدينةَ لكم بعدَ اليومِ ... وإنَّما هوَ اللَّه وحدهُ ... ثمّ الجنةَ .

ثمَّ حملَ على المشركينَ وحملوا معهُ ، وانبرى يشقُّ الصفوفَ ، ويُعمِلُ السَّيفَ في رقابِ أعداءِ اللَّهِ حتَّى زُّلْزلتْ أقدامُ مسيلمةَ وأصحابَهُ، فلجَأُوا إلى الحديقةِ الّتي عُرفت في التَّاريخ بعدَ ذلكَ بِاسمِ « حديقةِ الموتِ » لكثرة من قُتِلَ فيها ذلك اليوم.

كانتْ «حديقة الموت» هذهِ رحبةَ الأرجاءِ سامقةَ - عالية -الجدران ِ،فأغلقَ مسيلمةُ والآلافُ المؤلفَّة من جندهِ عليهم أبوابَها، وجعلوا يُمطِرونَ المسلمينَ بِنِبالهم من داخِلها فتتساقطُ عَليهم تساقطَ المَطرِ.

عند ذلكَ تقدَّمَ مغوارُ المسلمينَ الباسلُ البراءُ بنُ مالكٍ وَ قال: يا قومُ، ضعوني على تُرْسٍ، وارفعوا التُّرس على الرِّماحِ ، ثمَّ اقذفوني إلى الحديقةِ قريباً من بابها، فإمَّا أنْ استشهدْ ،وإمَّا أن أفتحَ لكمُ البابَ.

وفي لمحٍ البصرِ جلسَ البراءُ بنُ مالكٍ على تُرسٍ؛ فقد كانَ ضئيلَ الجسمِ نَحيلهُ، ورفعتْهُ عشراتُ الرِّماحِ فألقتهُ في «حديقةِ الموتِ» بينَ الآلاف المؤلفةِ من جندِ مسيلمةَ، فنزلَ عليهم نزولَ الصّاعقةِ، وما زالَ يُجالدِهم أمامَ بابِ الحديقةِ، ويُعملَ  في رقابِهم السّيفَ حتَّى قتلَ عشرةَ منهم وفتحَ البابَ، وبهِ بِضعٌ وثمانون جِراحةً من بينِ رميةٍ بِسهمٍ أو ضربةٍ بسيفٍ ... فتدفَّقَ المسلمونَ على «حديقة الموت»،من حيطانها وأبوابها وأعملوا السيوفَ في رقابِ المرتدِّين اللَّائذينَ بجدرانها، حتى قتلوا منهم عِشرينَ ألفاً ووصلوا إلى مسيلمةَ فأردَهُ صريعاً.

حُمِل البراءُ إلى رَحله لِيداوى فيهِ، وأقامَ عليه خالد بن الوليد شهْراً يُعالجهُ من جراحهِ حتى أذِنَ اللَّهُ له بالشِّفاء ، وكتب لجندِ المسلمين عل يديهِ النَّصر.

ظلّ البراء يتوق للشهادة التي فاتته يوم «حديثة الموت».

وطفقَ يخوضُ المعاركَ واحدةً بعدَ أُخرى شوقاً إلى تحقيقِ أمنيتهِ، حتى كان يومُ «تُسْتر» من بلادِ «فارسٍ» ، فقد تحصّنَ «الفُرْسُ» في إحدى القلاعِ الممرَّدةِ، فحاصرهُمُ المسلمونَ وأحاطوا بهم إحاطَة السِّوارِ بالمعصم.

فلمّا طالَ الحصارُ واشتدَّ البلاءُ على «الفُرس»،جعلوا يدلُّونَ من فوقِ أسوارِ القلْعةِ سلاسلَ من حديد، عُلِّقتْ بها كلاليبُ من فولاذٍ حمِّيتْ بالنّارِ حتى غدتْ أشدُّ توهُّجاً من الجمرِ، فكانت تَنْشبُ- تعلق -في أجسادِ المسلمينَ وتعلقُ بها، فيرفعونَهم إليهم إمَّا موتى وإمَّا عل وشك الموتِ.

فعلقَ كُلَّابٌ منها بأنسِ بنِ مالكٍ-أخي البراءِ بن مالكٍ-فما إن رآهُ البراءُ حتَّى وثبَ على جدارِ الحصنِ ،وامسكَ بالسلسلةِ التي تحملُ اخاهُ ،وجعلَ يعالجُ الكُلَّابَ  ليخرجهُ منْ جسدهِ ؛فأخذتْ يَدهُ تحترقُ وتدخِّنُ، فلم يأبَه لها حتى أنقذَ أخاه ُ،وهبَطَ إلى الأرضِ بعدَ أن غدتْ يدهُ عِظاماً ليسَ عليهَا لحمٌ.

وفي هذه المعركةِ دعا البراءُ بنُ مالكٍ الأنصاريُّ اللَّهَ أن يرزقَهُ الشَّهادةَ؛ فأجابَ اللَّهُ دعاءَهُ، حيثُ خرَّ صريعاً شهيداً مغْتَبطاً بلقاءِ اللَّهِ.

تعليقات

التنقل السريع